ترتجف يداي و أنا أهّم بالكتابة عن مهنتي و التي و بدون أي مبالغة تأخذ ما يزيد عن ثمانين بالمئة من وقتي و من حياتي اليومية!
أكتب إحتفاءً بالصيدلة و بالصيادلة أجمع، بل و أكتب أيضاً إنصافاً للجنودِ المجهولين الذين نمثلهم، و لتوضيح الإشكال و لتصحيح النظرة العامة و المغلوطة من قِبَل شريحة كبيرة جداً و للأسف من المجتمع؛ و المقولة التي نسمعها دائما استخفافا بعملنا: "كم من الوقت يستغرق تناول الدواء عن الرف!"
اسمحوا لي أن أخبركم كم من الوقت يستغرق تناول الدواء عن الرف؛ ثوانٍ في الواقع، هذا في حال كنت تحفظ مكان الدواء صمّاً و لم يقم أحد مشاكس بتغير مكانه!
اذاً لم كل هذا التأخير؟!
بدايةً، دعوني أخبركم عني، صيدلانية بدرجة "دكتور صيدلة"، أعمل و بكل فخر بمركز الحسين للسرطان، في الصيدلية الداخلية تحديداً!
أفتخر، نعم، و بالرغم من كل الصعوبات و التحديات و الضغوطات الواقعة على عاتقنا، و ذلك لسبب بسيط، و هو تطبيقنا لسياسات و أنظمة عالمية تحرص كل الحرص على تقديم أفضل رعاية صحية للمرضى، و مع العلم بأني كنت قد تدربت في ثلاث مستشفيات أخرى، و لم أجد ما يريح ضميري و يروي عطشي المستمر للعلم و التطور مثل مركز الحسين. و كلنا من صيادلة متفقون على ذلك و إن كنا حقا مرهقين و متعبين من الضغط الكبير الذي نواجهه!
كي لا أبتعد كثيرا عن الهدف الأساسي للمقالة، ألا و هي إنصاف الصيادلة، سأروي لكم لمحات عن عملنا اليومي.
قبل أن نتناول الدواء من "الرف"، نقوم بالتأكد من صلاحية الوصفة الطبية، و ملائمة الجرعة الدوائية لعمر المريض و حالته و فيما اذا كان المريض يتحسس من هذا الدواء، و التأكد اذا كان ملائما و لا يتفاعل بشكل سلبي مع المشاكل الصحية الأخرى التي يعاني منها و الأدوية الأخرى التي يتناولها، و نقوم أيضا بتصفح ملف المريض، و يقوم صيدلاني اخر بالتحقق مع الصيدلاني الأول من صحة الجرعة و الدواء و غير ذلك.
و لا أكتب هذا استهانة أو تقليل أو تشكيكاً بعلم و قدرة أي شخص، إلا أنه و بطبيعة دراستنا فالصيادلة هم الأعلم و الاكثر معرفة من أي شخص اخر بالدواء و تفاصيله، كما يكون الطبيب أكثر معرفة و علما بتفاصيل المرض منا، فعملنا فعليا كصيادلة و أطباء و ممرضين مكملا لبعض و عليه نقوم و إن خفي للكثير بتصحيح الجرعات و النصح بتغيير الدواء إلى اخر يكون أكثر ملائمة و أكثر أمناً و فعالية لحالة المريض، بعد مناقشة الطبيب.
هذا فقط غيضٌ من فيض كما يقولون، فنحن أيضاً بالصيدلية الداخلية نقوم بتحضير الادوية التي يتم إعطاؤها عن طريق الوريد في غرفة معقمة، تحتوي على نظام يعمل على تعقيم الهواء و لا يدخلها أحد إلا بعد ارتداء لباس خاص معقم، و يقوم صيدلاني أو مساعد صيدلاني بتحضير الدواء و يقوم اخر بالتحقق من أنه تم سحب الجرعة الصحيحة من "الأمبولة" (الابرة التي تحتوي الدواء) و حلّها في المحلول الملائم بالحجم الملائم و بالتقنية الصحيحة التي تضمن التعقيم التام.
كنت قد وصفتنا الجنود المجهولين، لأننا كذلك فعلاً، و الكثير من المرضى و المراجعين يستهجنون المدة التي نحتاجها قبل صرف الدواء، و حتى في كتب الشكر و مع أننا لا ننتظر الشكر (و نفعل ما نفعل ارضاءً لله أولاً و حرصاً على سلامة المرضى) لا يتم ذكر الصيادلة إلّا ما ندر، بسبب قلة الاحتكاك ربما و عدم وعي الكثير بالدور الهام و الكبير الذي نلعبه في مصلحتهم أولاً و اخراً، و بمساهمتنا المباشرة و لو من وراء الكواليس بعلاج المريض و حصوله على أفضل رعاية.
في الختام، أتمنى أن أكون قد ساهمت و لو قليلاً في إنصاف المهنة أولا و من ثَمّ الصيادلة، و تغيير نظرة المجتمع لها!
دمتم أصحاء في أبدانكم و أنفسكم، دمتم بحب
ربى حب الرمان
This comment has been removed by a blog administrator.
ReplyDelete